مونتسكيو ‏

شارل لويس دي سيكوندا بارون دي لابريد ودي مونتسكيو أو المعروف بمونتسكيو ولد فى جنوب غرب فرنسا و تحديدا فى قصر لابريد بأحواز مدينة بوردو عام 1689 و مات عام 1755. ينحدر من عائلة أرستقراطية ثرية ساعدت فى تلقيه تربية و تعليما فى مستوى جيد مع تركيز العائلة على التربية المسيحية سواء بالمدرسة أو فى البيت.

 فى سن الخامسة و العشرين عين مونتسكيو قاضيا فى برلمان بوردو مواصلة لإرث عائلته فى الوقوف على القضاء و تسييره و هو ما تأكد أكثر برئاسته لتلك المحكمة بعد وفاة عمه جان بايتست دو سكوندا فى سنة 1716 . تواصلت رئاسته للمحكمة لمدة 12 سنة ، مارس فيها مهنة القضاء و تسيير دواليب المحكمة ، لكن ذلك لم يبعده عن إتباع شغفه بالتاريخ و الأدب و الفلسفة و تتبع العلوم و دراستها كما لم تثنه عن الكتابة .
 بدأت أولى بذرات فكر مونتسكيو بالظهور فى كتاب الرسائل الفارسية سنة 1721 التى  إنتقد فيها بشكل ساخر و مبطن الأوضاع السياسية ، الإجتماعية و الدينية التى كانت سائدة فى تلك الفترة على لسان نبيلين فارسيين وهميين هما " اوزبك" و " ريكا "  اللذان يتجولان  فى أرجاء فرنسا.

 ركز منتسكيو من خلالهما على التعصب الديني السائد فى عهد لويس الرابع عشر و خلفه الخامس عشر إضافة إلى الإستبداد فى الحكم فى عهدهما دون أن يعرض نفسه بما أن كل النقد جاء على لسان أجانب و فى رسائلهم لذويهم ببلاد فارس . هذا دون أن ننسى أن الكتاب نشر دون توقيع ليتجنب منتسكيو ملاحقة الكنيسة نظرا لأنها عادة ما تلاحق الفلاسفة و العلماء ممارسة للأصولية الدينية فى وجه التنوير و هو ما جعل من النشر دون توقيع فعلا مارسه كثيرون على غرار ديكارت،  غاليلو و سبينوزا .
 يعد إذا هذا الكتاب -  الذى أستوحى منه جزئيا الفيلم الدرامي ديبان - Dheepan الذى فاز بجائزة السعفة الذهبية فى مهرجان كان السينمائي لسنة 2015 - تشخيصا لمرض المجتمع الفرنسي و إشارة للأسباب و المسببات التى كان لابد من وصف علاجات لها تكون كلها فى كتابه الكبير التالي روح القوانين .

 هذا الكتاب الذى يعد من أشهر كتب السياسة فى التاريخ و لا يجاريه ربما إلا كتاب السياسة لأرسطو أو كتاب العقد الإجتماعي لجان جاك روسو، يصوغ فيه منتسكيو شكلا جديدا للحكم العادل  يقطع مع الظلم و الإستبداد و نظرة تنويرية لفرنسا خاصة و أوروبا عامة يكون فيها مشروع حكم جديد مخالف للنظام التقليدي السائد . و نظرا لما إحتواه هذا الكتاب من تهديد للكنيسة و الملكية الفرنسية المريضتين فقد تعرض طبعا لهجومات شرسة و نقد شديد من قبل المحافظين و رجال الدين المسيحيين و إعتبروه ناقضا للملكية و خروجا عن نظام الملك الفرنسي الذى يمثل ظل الله على الأرض ، فى حين تجاوب مع محتواه قادة التنوير فى ذلك الوقت و فلاسفة ذلك الزمان و إعتبروه كتابا تأسيسيا فى نظام الحكم الجديد و هيكلة سلطه و تحديث قوانينه.